(13) توظيف الاقتصاد لدراسة السياسة
- بواسطة مروة جراد
- 2024-09-25
يمكن تعريف نظرية الخيار العقلاني (Rational Choice Theory) على أنَّها عملية توظيف المناهج والرؤى الاقتصادية في دراسة السياسة؛ وهي تساعدنا على طرح أو تشكيل تساؤلات أساسية في السياسات العامَّة؛ مثل:
هل علينا أن نُؤثِّر في الأفراد من أجل "مصلحتهم الخاصَّة" لكي يُغيِّروا من سلوكهم، أم نُؤثِّر فيهم ليتصرَّفوا للمصلحة "الجماعية" بدلًا من مصالحهم "الشخصية الضيقة"؟
وإذا انتهينا إلى جواب، فكيف يمكن تحقيقه؟ هل ينبغي الاعتماد على الدولة لمعالجة "مشاكل العمل الجماعي"؟
وإذا انتهينا إلى جواب، فهل علينا أن نستخدم الحوافز أم الإكراه أم "التوجيهات اللطيفة" لتحقيق ما نطمح إليه؟
ولتوضيح ما نقصده، فنحن نتساءل إذا ما كان من المناسب أن "نُغيِّر" السلوك العامَّ؟ وإذا كان مناسبًا، فما الطرق الفعَّالة لتحقيق ذلك؟
من الطرق التقليدية لتحقيق ذلك: إنشاء أو طرح فرضيات بسيطة تقول إنَّه عند اتخاذ القرارات يجب الأخذ بعين الاعتبار مثلًا قدرة الأشخاص على معالجة المعلومات وترتيب تفضيلاتهم. وتساعدنا هذه التصوُّرات على فهم كيفية تصرُّفهم في مواقف مُعيَّنة.
فمثلًا، قد يلجأ الأفراد إلى "الركوب المجاني" إذا كانت لهم القدرة على الاستفادة من سلعة أو خدمة ما بدون دفع مقابل لها. وتدعم هذه الفكرة الحجة التي تقول إنَّه يجب على الدولة التدخُّل لحل "فشل السوق" كما في حالة توفير "السلع العامَّة". (تتميَّز هذه السلع بأنَّها: 1. "غير قابلة للاستبعاد"؛ أي إنَّه لا يمكن استبعاد أي شخص من الاستفادة من مميزاتها، و2. بكونها "غير تنافسية"؛ أي إنَّ استخدامها من قِبل شخص ما لا يُقلِّل من قيمتها عند استخدامها من قِبل شخص آخر).
أو قد يساهم الأفراد في "تراجيديا المشاع" (Tragedy of the Commons) -كما وصفها هاردين Hardin- التي تصف التأثير الكارثي التراكمي للاختيارات الفردية المتعلقة بالموارد المشتركة النادرة؛ مثل الأراضي الخصبة، والمياه النظيفة، والهواء النقي، ومخزون الأسماك. فمن مصلحتنا المشتركة أن نتصرَّف بشكل جماعي لإدارة هذه الموارد؛ ولكنَّ المصلحة الفردية تسعى لأخذ موارد أكثر قليلًا ممَّا تستحقُّ. لذلك، فإذا تصرَّف كل شخص منا بالنظر إلى مصالحه الشخصية في معزل عن الجماعة فسوف تُستنزَف هذه الموارد النادرة.
إنَّ حل هاردين لهذه المشكلة هو "الإكراه المتبادَل المتفَق عليه" كما في حالة تدخُّل الدولة، ويقترح الضرائب بوصفها مثالًا جيدًا على استخدام وسائل الإكراه. ومع ذلك، فإنَّ تدخُّل الدولة ليس عصًا سحرية؛ لأنَّه يمكن أن يؤدي إلى نتائج كبيرة غير مقصودة. لذا، تثير هذه التوصية نقاشين رئيسين يُشكِّلان جوهر الدراسات الحديثة للسياسات العامَّة:
إطار التحليل المؤسسي والتنمية (IAD) هو إضافة أساسية:
تتحدَّى أعمال إلينور أوسترم (Elinor Ostrom) الفائزة بجائزة نوبل الفكرةَ القائلة بأنَّ التدخُّل الحكومي هو الحلُّ المثالي لمشاكل العمل الجماعي، وتوضح إمكان وجود حلول لا تعتمد على السوق مبنية على الثقة واستخدام وسائل أقل إكراهًا لتقليل تكاليف مراقبة وتنفيذ الاتفاقات الجماعية. ويتضمَّن هذا النهج سعي الأفراد للتوصُّل إلى اتفاقات بينهم مُنظَّمة ضمن مجموعة من القواعد المتفَق عليها (المؤسَّسة Institution). وقد تُفرَض هذه القواعد بواسطة سلطة خاصَّة، في حين تظلُّ الموارد المشتركة مشاعًا للجميع؛ إذ يراقب الأطرافُ بعضُهم سلوكَ بعض ويبلغون عن أي خرق للقواعد طرفًا ثالثًا يدفع له الجميع ويوافقون على احترامه.
هل نستعمل "التوجيهات اللطيفة" (Nudge) بدلاً من "الإكراه"؟
يستفيد الاقتصاد السلوكي من أفكار علم النفس لتحديد الانحيازات المعرفية التي تُؤثِّر في قرارات الإنسان، ويرتبط هذا المجال بفكرة "التوجيه اللطيف" حيث تُستغَلُّ هذه الانحيازات للتأثير في سلوك الأفراد؛ على سبيل المثال: من خلال دفعهم إلى الانسحاب من الخدمة بدلًا من الاشتراك فيها، أو عن طريق تسهيل معالجة المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات.
الفائدة الرئيسة للطلاب:
لا ترفضوا نظرية "الاختيار العقلاني" لمجرَّد أنَّكم قرأتم أنَّها تستخدم افتراضات غير واقعية بشكل مبالغ فيه؛ وإنَّما ركِّزوا على الفوائد العملية لهذه الطرق المختلفة من التفكير؛ فعلى سبيل المثال: ما الإشكالات التي تُثيرها هذه النماذج المُبسَّطة؟ بعد ذلك لاحِظوا الروابط بين الدراسات الكلاسيكية والحديثة؛ إذ يستفيد الاقتصاد السلوكي من علم النفس لفهمٍ أفضل لـ"الاختيار العقلاني" لكنَّنا نرى في الوقت نفسه الهدف العامَّ المشترك بينهما لفهم كيف يتصرَّف الناس وما إذا كان ينبغي علينا محاولة تغيير هذا التصرُّف، كما أنَّ إطار التحليل المؤسسي والتنمية (IAD) يُفيد أيضًا في دراسة إخفاقات كُلٍّ من الدولة والسوق: هل يمكننا القول بدرجة ما من اليقين ما أفضل نظام للحِكامة؟
بواسطة مروة جراد
مروة جراد هي باحثة ومترجمة تمتلك خبرة في مجالات الترجمة واللغويات والمعجمية العربية.
حصلت مروة على:
- بكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة باجي مختار - عنابة.
- ماستر في الترجمة (عربي-انجليزي-عربي) من جامعة باجي مختار - عنابة.
- ماستر في اللسانيات والمعجمية العربية من معهد الدوحة للدراسات العليا.
عملت جراد على ترجمة العديد من النصوص المتنوعة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية والعكس.
اقرأ المزيد
(2) إلى أيّ مدًى تتغيَّر السياسات العامَّة؟
- 2024-07-09
(7) القوة والمعرفة
- 2024-08-13
النشرة البريدية
احصل على آخر اخبارنا وتحديثاتنا
0 تعليقات