(10) تحليل التيَّارات المُتعدِّدة ورُوَّاد السياسات (Multiple Streams Analysis and Policy Entrepreneurs)

* * تستند هذه الترجمات إلى مقالات الباحث بول كيرني Paul Cairney، وتُقدم ترجمة عربية بقلم كل من أحمد محسن  ومروة جراد مع مراجعة نهائية من قِبل  محمد أحمد البكري. 

تساءلتُ في منشور سابق: ماذا نفعل إذا لم تكن دورة السياسات العامَّة موجودة؟ في هذا العالم المُتخيَّل لدورة السياسات، يَجْمَعُ صُنَّاع السياسات المؤمنون بالعقلانية الشاملة بين قيمهم والأدلَّة المتاحة لتحديد مشاكل السياسات وأهدافهم منها، فيما تنتج البيروقراطيات المحايدة حلولًا متعددة تتماشى مع تلك الأهداف ليختار صُنَّاع السياسات الحلَّ "الأفضل" أو الأكثر "استنادًا إلى الأدلَّة". يؤدي كل هذا في النهاية إلى بدء دورة من المراحل التي تشتمل على: الشرعنة، والتنفيذ، والتقييم، والاختيار ما بين الإبقاء على السياسات الحالية أو تغييرها. أمَّا في العالم الحقيقي؛ فإنَّ عملية صنع السياسات ليست بهذه البساطة؛ إذ تبدو مراحلها الثلاث التالية متداخلة:

  1. تحديد المشكلات: العالم مليء بالأحداث والمعلومات الهائلة المرتبطة بتلك المشكلات؛ وهو ما يَضْطَرُّ صانعي السياسات إلى تجاهل معظم هذه المشكلات ومعظم الأساليب اللازمة لفهمها، فيستخدمون بدلًا من ذلك اختصارات "عقلانية" و"غير عقلانية" للتركيز على عدد محدود من القضايا ومعالجتها دون فهم كامل لها. وتلفت المشكلات الانتباه وَفقًا لكيفية "تأطيرها"؛ إذ يستخدم الفاعلون الأدلَّة لتقليل غياب المعرفة (Uncertainty)، ويستخدمون الإقناع لتقليل الغموض (Ambiguity). (وهم يهدفون بهذا إلى تشكيل فهمنا للمشكلات بطريقة معينة).

  2. إيجاد الحلول: عندما يهتمُّ صُنَّاع القرار فجأةً بمشكلة معينة، يكون قد فات أوانُ إيجاد حل جديد قابل للتطبيق فنيًّا (هل سيعمل كما هو مُخطَّط له؟) وسياسيًّا (هل سيكون مقبولًا لدى عدد كافٍ من الأفراد في "المجتمع"؟)؛ ما يعني أنَّه عندما نُسرِع في الاهتمام بمشكلة ما، فإنَّ الحلول القابلة للتطبيق تستغرق وقتًا للتطوير.

  3. تكوين الاختيارات: إنَّ استعداد صُنَّاع السياسات وقدرتَهم على اختيار حل لمشكلة ما مسألةٌ متغيرةٌ تعتمد على قناعاتهم الشخصية، وتصوُّرهم للمزاج الوطني الحالي، وكذلك على آراء جماعات الضغط والأحزاب السياسية ومطالبها.

لا تُفكِّر في هذه الأمور على أنَّها "مراحل" خطية [متتابعة]؛ وإنَّما فكِّرْ فيها على أنَّها "تيَّارات" مستقلَّة [متوازية] يمكن أن تتلاقى معًا لفترة قصيرة من خلال "نافذة فرصة" (Window of Opportunity). فجميع العوامل الرئيسة -الاهتمام المتزايد بمشكلة ما (تيَّار المشكلة)، والحلُّ المتاح والقابل للتطبيق (تيَّار السياسات)، والدافع لاختياره (تيَّار السياسة)- يجب أن تتلاقى معًا في الوقت نفسه، وإلا تُغلَق نافذة الفرصة المتاحة. لو فكَّرتَ في هذه التيَّارات الثلاثة على أنَّها مياه، فإنَّ التشبيه يوحي بأنَّه عندما تتلاقى يَصْعُب فصلُ بعضها عن بعض. ومِن ثَمَّ، فإنَّ "نافذة الفرصة" تشبه مهمَّة إطلاق مركبة فضائية مُهدَّدة بالإلغاء في أي لحظة من طرف صُنَّاع السياسات حالَ عدم توافُر العوامل اللازمة لانطلاقها.


إذًا، ماذا نفعل في غياب دورة السياسات؟

رُوَّاد السياسات يعرفون كيفية التعامل مع هذا الوضع؛ فهم يستخدمون مهارات الإقناع لتأطير المشكلات بوضوح، ويساهمون في تطوير حلول قابلة للتطبيق، وينتظرون اللحظة المناسبة لطرح هذه الحلول، ويتكيَّفون مع البيئة المحيطة بهم لاستغلال "نوافذ الفرص" المتاحة.

الفائدة الرئيسة للطلاب:

من السهل رفض فكرة دورة السياسات والبحث عن تفسيرات أفضل، ولكن لا تتوقَّفوا عند هذا الحد؛ وإنَّما فكِّروا في كيفية تحويل هذه الأفكار إلى أفعال. فإذا كانت عملية صنع السياسات عملية فوضوية، فكيف يجب أن تكون ردة فعل الأفراد تجاه ذلك؟ إنَّ التركيز على "رُوَّاد السياسات" يساعدنا على تحديد استراتيجيات فاعلة للتأثير في عملية صنع السياسات؛ لكن كيف يمكن لصُنَّاع السياسات المنتخَبين تبرير عملية صنع السياسات الغريبة بهذا الشكل؟ وأخيرًا، أدعوكم إلى الاطلاع على العديد من دراسات الحالة لتفهموا كيف يصف الباحثون نموذج تيارات السياسات المتعددة (MSA)؛ وهو نموذج مرن، ولكن هل له أدبيات متماسكة ذات موضوعات مشتركة؟


بواسطة مروة جراد

مروة جراد هي باحثة ومترجمة  تمتلك خبرة  في مجالات الترجمة واللغويات والمعجمية العربية.

حصلت مروة على:

  • بكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة باجي مختار - عنابة.
  • ماستر في الترجمة (عربي-انجليزي-عربي) من جامعة باجي مختار - عنابة.
  • ماستر في اللسانيات والمعجمية العربية من معهد الدوحة للدراسات العليا.

    عملت جراد على ترجمة العديد من النصوص المتنوعة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية والعكس.

0 تعليقات

نشر تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني