(2) إلى أيّ مدًى تتغيَّر السياسات العامَّة؟
- بواسطة مروة جراد
- 2024-07-09
* * تستند هذه الترجمات إلى مقالات الباحث بول كيرني Paul Cairney، وتُقدم ترجمة عربية بقلم كل من أحمد محسن ومروة جراد مع مراجعة نهائية من قِبل محمد أحمد البكري.
لا بُدَّ أنَّ القراءة الكثيرة حول مواضيع السياسات العامَّة ستؤدي إلى تولُّد انطباع لديكم بأنَّ التغيُّرات في السياسات العامَّة نادرة الحدوث أو أنَّها لا تُفضي إلى اختلافات كبيرة عن السابق. على سبيل المثال، تأمَّل النظريات التالية المشهورة في هذا المجال التي تعاملت مع التغيير في السياسات العامَّة:
التدرُّجية كما جاء بها ليندبلوم (Lindblom).
نظرية التوازن المتقطع (Punctuated Equilibrium): التي تُبيِّن أنَّ عدد حدوث التغيُّرات البسيطة في السياسات العامَّة يكون كبيرًا، في حين أنَّ عدد حدوث التغيُّرات الضخمة يكون قليلًا.
مقاربة الائتلاف المُناصِر (ACF): التي تقارن بين التعلُّم الذي يسير بشكل روتيني للائتلاف المهيمن على سياسة عامَّة ما وبين التعلُّم الذي يحدث عند "صدمة" ما تؤدي إلى تغيُّر في الأنظمة الفرعية (Policy Subsystem) وظهور ديناميكيات جديدة في السياسات العامَّة.
نموذج التيَّارات المُتعدِّدة (Multiple Streams): الذي يُحدِّد الشروط -التي نادرًا ما تُستوفى- لإحداث تغيُّرات رئيسة.
لقد قدَّمتُ في المقال السابق انطباعًا بأنَّنا لا نعرف كيف نُعرِّف السياسة العامَّة. فإذا كان صحيحًا أنَّنا لم نتمكَّن من تعريفها بشكل واضح، فكيف إذًا يمكننا قياس السياسات العامَّة بشكل جيد بما فيه الكفاية للوصول إلى الاستنتاج الذي بدأنا به هذا المقال؟
لماذا يُعَدُّ قياس التغيير في السياسات العامَّة أمرًا مُهِمًّا؟
إذا ساوينا بين السياسات العامَّة والتصريحات الحكومية بدلًا من قياسها على أساس مخرجاتها أو نتائجها، فإنَّنا بذلك نُفوِّت على أنفسنا الحصول على الكثير من المعلومات؛ وهو نفس ما سيحدث عند قياس التغيُّرات السياساتية بناءً على التشريعات التي تُعَدُّ أكثر المخرجات وضوحًا.
أُقدِّمُ حلًّا لقياس التغيُّر في السياسات العامَّة من خلال قائمة بها ستَّ عشرة أداة سياساتية مختلفة يمكن التركيز على إحداها عند قياس تغيُّر السياسات. على الرغم من أنَّ بعض الباحثين يميل إلى تصنيف هذه الأدوات ضمن مجموعات فرعية: تُركِّز إحدى هذه المجموعات على التنظيم (بما في ذلك التشريعات)، وأخرى على الموارد (المالية والبشرية) لتوضيح مدى السلطة المتاحة لصانعي السياسات. كما تُصنَّف هذه الأدوات السياساتية على أساس كونها تنظيمية/ توزيعية/ إعادة توزيعية؛ للإيحاء بأنَّ بعض إجراءات السياسات يصعب "تنفيذها" أكثر من غيرها.
نُقدِّم صورة محدودة الفائدة إذا ما ساوينا بين التغيير في السياسات العامَّة والمخرجات بدلًا من النتائج؛ إذ إنَّ إحدى الخلاصات الأساسية من دراسات السياسات العامَّة هي وجود فجوة مُتكرِِّرة بين توقُّعات صانعي السياسات والنتائج الفعلية لسياساتهم.
ما التحديات الرئيسة في القياس؟
إذًا، في سياق تعريف تغيير السياسات نحتاج إلى اتخاذ قرارات بشأن ما يُعَدُّ سياسة عامَّة في الحالة التى نُركِّز عليها أو ندرسها لقياس مدى تغيُّرها. على سبيل المثال، أُقدِّم (أ) مثالًا على مخرجات السياسات التي تُعَدُّ نموذجًا رئيسًا يُستخدَم لقياس تغيير السياسات -وهو حظر التدخين في الأماكن العامَّة في اسكتلندا وإنجلترا/ ويلز والمملكة المتحدة والاتحاد الأوريي (أغلبه)- لإظهار أنَّ الحكومة بهذا الإجراء تعمل على الإشارة إلى تغييرات كبيرة قادمة. ولكن أيضًا (ب) أضع أداة هذه السياسة في إطار مناقشة أوسع نطاقًا -تشمل العديد من سياسات التبغ الأخرى في المملكة المتحدة وعبر العالم- لإظهار مدى اتساقها بالفعل مع توجُّه موجود بشكل راسخ ومستمر في مجال مكافحة التبغ.
يفيدنا هذا المقال لإظهار حاجتنا إلى النظر في النقاط التالية لاتخاذ مثل هذه الخيارات:
التركيز على الاتساع (لإعطاء صورة شاملة عن الموضوع) في مقابل التركيز على العمق (للإشارة إلى التفاصيل المهمَّة بدقَّة).
مدى توقُّعنا لتغيُّر السياسات بالنظر إلى حجم المشكلة (وهي ميزة كبيرة في دراسات الصحَّة العامَّة التي تنتقد تقاعُس الحكومة).
كيف تبدو التغيُّرات الجذرية من "الأعلى" (على مستوى الحكومة المركزية) أو من "الأسفل" (عند تنفيذ السياسات من قِبَل هيئات أخرى على المدى الطويل).
ما الذي نعنيه بكلمة "السياسات" في تلك الحالة (ما المشكلة التي يحاول صُنَّاعُ السياسات حلَّها)
إلى أيِّ مدًى تكون "السياسات" متسقة عندما تُصنَع من أدوات سياساتية متناقضة في الأغلب.
كيف نحلُّ هذه المشكلة؟
المشكلة هي أنَّنا نستطيع إنتاج تفسيرات شديدة الاختلاف للتغيير في السياسات العامَّة باستخدام نفس مجموعة الأدلَّة، من خلال تسليط الضوء على بعض الأدوات وتجاهُل الأخرى، أو وضع ثقة أكبر في نوعية بعض البيانات مقارنة بغيرها (مثل البيانات المستخلَصة من المقابلات الشخصية). أحيانًا، يكون الحلُّ المفضَّل لديَّ هو مقارنة أكثر من سردية للتغيير في السياسات. والحل الآخر هو -ببساطة- "أظهِرْ عملك".
الفائدة الرئيسة للطلاب:
"أَظهِرْ عملَك" تعني شرح عملية تفكيرك المنطقية وخياراتك خطوة بخطوة؛ فلا تكتفِ فقط بكتابة صعوبة تعريف السياسات وقياس التغيير الحاصل لها؛ لكن اشرح كيف قيَّمتَ تغيير السياسات باستخدام هذه الطريقة التي اخترتَها، ولماذا اخترتَ هذه الطريقة. في نفس الوقت، سلِّط الضوء على فوائد هذا المنهج الذي اتبعتَه. اطَّلِع على كيفية قيام الباحثين الآخرين بمثل هذه الأمور لتتعلَّم الممارسات الجيدة وكيف تجعل نتائجك قابلة للمقارنة بنتائجهم. في الواقع، يكمن جزء من فائدة استخدام نظرية راسخة لتوجيه التحليل الذي نقوم به- في قدرتنا على الانخراط في البحث بشكل منهجي بوصفنا مجموعة باحثين في فريق مشترك.
ملاحظة: في هذا الرابط الطريقة التي أصف بها هذه القضايا لطلاب ماجستير السياسات العامَّة الذين يكتبون حول السياسات والتغيُّرات السياساتية في المُقرَّرات الدراسية المبنية على النظريات الأكاديمية (باستخدام دراسة حالة سياسات التبغ في المملكة المتحدة البريطانية مثالًا توضيحيًّا).
بواسطة مروة جراد
مروة جراد هي باحثة ومترجمة تمتلك خبرة في مجالات الترجمة واللغويات والمعجمية العربية.
حصلت مروة على:
- بكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة باجي مختار - عنابة.
- ماستر في الترجمة (عربي-انجليزي-عربي) من جامعة باجي مختار - عنابة.
- ماستر في اللسانيات والمعجمية العربية من معهد الدوحة للدراسات العليا.
عملت جراد على ترجمة العديد من النصوص المتنوعة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية والعكس.
نشر تعليق
اقرأ المزيد
النشرة البريدية
احصل على آخر اخبارنا وتحديثاتنا
0 تعليقات