(3) نماذج بيتر هول (Peter HALL) للسياسات العَّامة

* * تستند هذه الترجمات إلى مقالات الباحث بول كيرني Paul Cairney، وتُقدم ترجمة عربية بقلم كل من أحمد محسن  ومروة جراد مع مراجعة نهائية من قِبل  محمد أحمد البكري. 

تتفق معظم الدراسات البحثية على أنَّ أنظمة صنع السياسات العامة تُنتج أعدادًا هائلة من التغييرات المحدودة ونادرًا ما تُحدِث تغييرات جذرية؛ ولكنهَّا لا تتفق على كيفية تفسير هذه الأنماط. فعلى سبيل المثال:

  • هناك جدل قائم داخل التدرُّجية (Incrementalism) يتساءل عن إمكان إدارة التغيير الجذري من خلال المضي قُدمًا في خطوات غير جذرية.

  • تُقدِّم نظرية التوازن المُتقطِّع (Punctuated Equilibrium Theory) شرحًا فريدًا لديناميكية التغيير في السياسات العامَّة، رابطةً إياه بمستويات اهتمام الرأي العام بالقضايا. فوفقًا لهذه النظرية، يتذبذب الاهتمام الشعبي بين الركود والذروة، مُشابهًا لتواتر حدوث الزلازل. أمَّا فترات الركود؛ فتشبه الزلازل الصغيرة من حيث تميُّزها بتغييرات طفيفة ومتكررة في السياسات، تمرُّ عادةً دون إثارة ضجَّة كبيرة. وأمَّا فترات الذروة؛ فتُشبه الزلازل الكبرى من حيث تميُّزها بتغييرات جذرية مفاجئة تلفت الانتباه وتُحدِث تحُّولًا ملحوظًا في مسار السياسات. ويُشبه توزيع هذه التغييرات نمط التوزيع الطبيعي في الإحصاء؛ إذ تتركَّز معظم الحالات حول الوسط (التغييرات الطفيفة) وتقلُّ تدريجيًّا كلما اتجهنا نحو الأطراف (التغييرات الجذرية).


يُعَدُّ بيتر هول أحد أشهر من شرحوا التغييرات الجذرية في السياسات العامَّة. تساعد نماذج السياسات (Policy Paradigms) على تفسير الميل نحو الجمود، مع حدوث تغييرات جذرية نادرة. (قارن مع مناقشة Path Dependence and Critical Junctures).


نموذج السياسة العامَّة هو منظور مهيمن غالبًا ما يُتعامَل معه على أنَّه من المُسلَّمات (أو مجموعة من المعتقدات)، ويتناول نموذج السياسات العامَّة: أهداف السياسة العامَّة، وطبيعة مشكلة السياسة العامَّة، والأدوات اللازمة لمعالجتها.

يمكن لنموذج السياسات أن يستمرَّ في العمل لفترات طويلة دون تحديات جوهرية، كما يمكنه الدفاع عن نفسه بفاعلية خلال الأحداث التي تُثير شكوكًا حول صحة السياسات الحالية. وينتج عن الالتزام بالنموذج "درجتان" للتغيير:

  •  تغيرات من "الدرجة الأولى": تغييرات بيروقراطية روتينية مُتكرِّرة متعلقة بالأدوات مع الحفاظ على أهداف السياسات.

  • تغيرات من "الدرجة الثانية": تغييرات غير روتينية أقلُّ تكرارًا (أو استخدام أدوات جديدة) مع الحفاظ على أهداف السياسات.

وثَمَّةَ تغيُّرات من "الدرجة الثالثة" تتمثَّل في التغيير السياساتي الذي يكون جذريًّا ونادرًا، وقد يحدث فقط بعد حدوث أزمة لا يستطيع فيها صُنَّاع السياسات حل مشكلة سياساتية أو تفسير سبب فشلها. يُشجِّع هذا التغيير على إعادة تقييم النموذج السائد ورفضه عن طريق حكومة جديدة تعتمد أساليب تفكير جديدة و/أو حكومة ترفض الخبراء الحاليين لصالح خبراء جدد. ويُمثِّل مثال نموذج بيتر هول تحوُّلًا جذريًّا سريعًا في السياسات الاقتصادية البريطانية -من "الكينزية" إلى "النقدية" (‘Keynesianism’ to ‘Monetarism’)- في غضون سنوات قليلة جدًّا.

وقد أثار تحليل هول للسياسات العامَّة نقاشين رئيسين:

أولًا: وصف بعض العلماء دراسة الحالة التي قدَّمها هول بأنَّها استثنائية؛ فقد استخدم الباحثون عبارات مختلفة للإشارة إلى نمط التغيير الأكثر شيوعًا في السياسات العامَّة؛ إذ (1) لا ينطوي هذا التغيُّر على تغييرات جذرية مفاجئة. وبدلًا من ذلك، (2) يميل التغيير إلى أن يكون تدريجيًّا على مرِّ السنين، مع تراكم تعديلات صغيرة غير جذرية لتؤدي في النهاية إلى (3) تحوُّلات جوهرية في الإطار والمؤسسات التي تحكم السياسة العامَّة، ويكون هذا في الأغلب خلال عقود.

وقد اقترح العديد من العلماء مصطلحات بديلة لوصف هذا النمط من التغيير، مثل:


ثانيًا: انتقد بعض العلماء تحليل هول وعدُّوه غير دقيق. ففي رأيهم، لم تحدث عملية تحوُّل جذري في نموذج السياسة الاقتصادية في المملكة المتحدة كما وصفها هول. وبدلاً من ذلك، يرون أنَّ ما حدث كان:

(أ) تغييرًا سياساتيًّا مفاجئًا وواسعًا لكنَّه لم يُمثِّل تحوُّلًا في النموذج السياساتي. (فالتجربة البريطانية مع السياسات النقدية كانت قصيرة العمر).

(ب) سلسلة من التغييرات الأقل جذرية أدَّت إلى تحوُّل جذري في النموذج لكن على مدار عقود. فعلى سبيل المثال، تحوَّلت المملكة المتحدة من "الكينزية" إلى "الكينزية الجديدة"، أو من "التدخُّل الحكومي" إلى "النيوليبرالية" (مثل تعزيز النمو الاقتصادي من خلال الاقتراض والإنفاق الخاص بدلًا من العامّ).


ترتبط هذه المناقشات ارتباطًا وثيقًا بقضايا تحليل السياسات العامَّة، خاصةً إذا سعى المحللون إلى إحداث تغيير جذري في السياسات العامَّة لتحدي النتائج غير المتكافئة وغير العادلة لها (مثل تلك المتعلقة بالعنصرية أو أزمة المناخ).

وتطرح هذه المناقشات أسئلة مهمَّة؛ مثل:

  • هل التغيير في نموذج السياسات غير قابل للحدوث إلا عبر عقود من الزمن.

  • كيف يمكننا التحقُّق من معرفة أنَّ ما يحدث حاليًّا هو تغيُّر جذري بالفعل، وإذا ماكان هذا التغيُّر قابلًا للاستمرار أم لا (أخذًا في الاعتبار أنَّه سابقًا خُدِع حتى أفضل الباحثين من خلال بعض التطوُّرات المؤقَّتة).

بواسطة مروة جراد

مروة جراد هي باحثة ومترجمة  تمتلك خبرة  في مجالات الترجمة واللغويات والمعجمية العربية.

حصلت مروة على:

  • بكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة باجي مختار - عنابة.
  • ماستر في الترجمة (عربي-انجليزي-عربي) من جامعة باجي مختار - عنابة.
  • ماستر في اللسانيات والمعجمية العربية من معهد الدوحة للدراسات العليا.

    عملت جراد على ترجمة العديد من النصوص المتنوعة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية والعكس.

0 تعليقات

نشر تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني