(7) القوة والمعرفة
- بواسطة مروة جراد
- 2024-08-13
* * تستند هذه الترجمات إلى مقالات الباحث بول كيرني Paul Cairney، وتُقدم ترجمة عربية بقلم كل من أحمد محسن ومروة جراد مع مراجعة نهائية من قِبل محمد أحمد البكري.
تُشير الدراسات الكلاسيكية إلى أنَّ أشكال القوة الأعمق والأكثر إثارة للقلق هي الأصعب في الملاحظة؛ فكثيرًا ما نشهد معارك سياسية واضحة يمكن فهمها من خلال استخدام الأدوات المنهجية لنظرية التعددية لتحديد: من يملك الموارد المادية، وكيف يستخدمها، ومن الفائز. ومع ذلك، فإنَّ أشكالًا رئيسة من القوة تضمن عدم حدوث العديد من هذه المعارك من الأساس؛ فغالبًا ما يستخدم الفاعلون مواردهم لتعزيز المواقف الاجتماعية ومعتقدات صانعي السياسات بشكل يساعدهم في: تحديد القضايا التي تُعَدُّ مشكلات سياسية تستحقُّ الاهتمام، وأي الفئات السكانية تستحقُّ دعم الحكومة أو عقابها. وقد لا تبدأ معارك رئيسة لعدم توافُر العدد الكافي من الناس الذين يعتقدون أنَّها جديرة بالنقاش، وقد يزداد الاهتمام والدعم لإجراء نقاشات حول قضايا مُحدَّدة؛ لكن سرعان ما تُستبعَد من الأجندة السياسية لأنَّ صانعي السياسات لا يستطيعون الدخول في نقاشات إلا حول عدد قليل من المشكلات.
تربط دراسات القوة هذه العمليات بالتلاعب بالأفكار أو المعتقدات المشتركة في ظل ظروف العقلانية المحدودة (يُنظَر على سبيل المثال: مقال غياب المعرفة والغموض، ومقال الإطار السردي للسياسات العامة NPF). ويمكن وصف التلاعب بأنَّه قيام بعض الأفراد بدفع الآخرين للقيام بأفعال لم يكونوا ليُقدِموا عليها في الأساس؛ من خلال استغلال هؤلاء الأفراد معتقدات الأشخاص الذين لا يملكون معرفة كافية حول العالم الخارجي أو أنفسهم للوصول إلى كيفية تحديد أفضل ما يمكن تحقيقه من مصالحهم الخاصَّة ومتابعة هذه المصالح، أو قد يُشجِّع هؤلاء المتلاعبون الأعرافَ الاجتماعية التي تُصنِّف السلوكيات إلى: مقبولة، ومنحرفة؛ وهي أعراف تفرضها الدولةُ من خلال سياسات مثل العدالة الجنائية والصحة النفسية،كما قد تفرضها أيضًا المجموعاتُ الاجتماعية والأفراد بناءً على ما يشعرون بأنَّه مُتوقَّع منهم وعواقب عدم الارتقاء إلى مستوى التوقُّعات.
تُعَدُّ هذه المعتقدات والأعراف والقواعد بالغة الأهمية لأنَّها تظلُّ غالبًا غير مُعلَنة وأمرًا مُسلَّمًا به من الجميع. في الحقيقة، يُسوِّي بعض الدارسين بينها وبين الهياكل الاجتماعية التي تُعيق بشكل واضح بعض الإجراءات. وإذا كان الأمر على هذا المنوال، فإنَّ مسألة الكشف عن علاقات القوة غير المتكافئة تصبح أوضح دون حاجة إلى التركيز على التلاعب: فالممارسات الاجتماعية القوية والدائمة تساعد بعض الأفراد على النجاح على حساب الآخرين، سواءٌ أكان ذلك عن طريق الحظ أم بتخطيط مسبق.
في الممارسة العملية، تتعايش أشكال القوة الخفية والواضحة جنبًا إلى جنب، وغالبًا ما يُعزِّز بعضُها بعضًا.
المثال الأول:
تميل السيطرة على المناصب المنتخبة بشدة نحو الرجال؛ فسيطرة الرجال على المناصب القيادية الحالية -إلى جانب الأعراف الاجتماعية حول من يجب أن يشارك في السياسة والحياة العامَّة- ترسل إشارات إلى النساء بأنَّ جهودهنَّ قد لا تحظى بالتقدير الكافي؛ بل قد تتعرَّض للعقاب بشكل روتيني. على سبيل المثال، تواجه النساء في الحملات الانتخابية خطابات لفظية وجسدية مليئة بكراهية النساء. كذلك فإنَّ وجود عدد كبير من الرجال في المناصب القيادية يميل إلى الحد من النقاش حول القضايا النسوية.
المثال الثاني:
يشير مصطلح "العنف المعرفي" (Epistemic Violence) إلى فعل إقصاء أو تجاهل فرد أو مجموعة اجتماعية أو مجتمع كامل من خلال التقليل من قيمة معرفتهم أو ادعائهم للمعرفة. تتضمَّن الأمثلة المُحدَّدة حول هذا الموضوع: (أ) هيمنة الغرب الاستعماري على الشعوب المستعمَرة وإسكات صوت "التابع" (Subaltern)؛ و(ب) إعطاء الأولوية للمعرفة الأكاديمية ورفض ادعاءات المعرفة التي تُكتسَب من خلال التجربة الشخصية أو المشتركة؛ و(ج) محو أصوات النساء ذوات البشرة الملوَّنة من النشاط النسائي والتاريخ الفكري.
وهذا هو السياق الذي يمكننا من خلاله فهم البحوث "النقدية" المصمَّمة لإحداث "تغيير اجتماعي من شأنه تمكين المجتمع وتنويره وتحريره" (صفحة 51)، ومن هنا أيضًا يمكننا فهم ارتباط حالة انعدام القوة (Powerlessness) بالافتقار الواضح إلى الموارد الاقتصادية المادية وافتقاد القدرة على الحشد وعلى إيصال المطالب.
بواسطة مروة جراد
مروة جراد هي باحثة ومترجمة تمتلك خبرة في مجالات الترجمة واللغويات والمعجمية العربية.
حصلت مروة على:
- بكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة باجي مختار - عنابة.
- ماستر في الترجمة (عربي-انجليزي-عربي) من جامعة باجي مختار - عنابة.
- ماستر في اللسانيات والمعجمية العربية من معهد الدوحة للدراسات العليا.
عملت جراد على ترجمة العديد من النصوص المتنوعة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية والعكس.
نشر تعليق
اقرأ المزيد
النشرة البريدية
احصل على آخر اخبارنا وتحديثاتنا
0 تعليقات