(9) الإطار السردي للسياسات العامَّة (Narrative Policy Framework)

* * تستند هذه الترجمات إلى مقالات الباحث بول كيرني Paul Cairney، وتُقدم ترجمة عربية بقلم كل من أحمد محسن  ومروة جراد مع مراجعة نهائية من قِبل  محمد أحمد البكري. 

تبدأ معظم نظريات السياسات العامَّة في هذه السلسلة بالإشارة إلى مبدأ العقلانية المحدودة (Bounded Rationality)، فيعالج صُنَّاع السياسات والمؤثرون نسبة صغيرة فقط من كل المعلومات المتعلقة بالسياسات؛ ولذلك يجب عليهم إيجاد طرق لتحديد نطاق اهتمامهم واتخاذ قرارات في ظل ضغوط السياسة وضيق الوقت. ويدمج هؤلاء بين استخدام الإدراك والعاطفة، أو بين الأساليب المختصرة العقلانية وغير العقلانية. أمَّا الفاعلون؛ فيستخدمون القوة كذلك لتأطير القضايا، ولتوجيه انتباه جمهورهم إلى معلومات معينة، ولتقديم تفسير لتلك القضايا.

يمكن أن يكون السرد أداة فعَّالة لتحقيق هذا الهدف؛ لكن القصص التي نرويها للناس تتنافس مع القصص التي يروونها لأنفسهم؛ فبينما قد تُلهِم قصةٌ ما بعض الجماهير إذا توافقت مع معتقداتهم أو لامست مشاعرهم، قد تأتي بنتائج عكسية عند جماهير أخرى إذا تعارضت مع رؤيتهم الكلية للعالم.

في هذا السياق، يحدد الإطار السردي للسياسات (NPF) الاستراتيجيات السردية للفاعلين التى يسعون من خلالها لاستغلال التحيُّزات المعرفية للآخرين.

ويحتوي السرد على أربعة عناصر؛ هي:

  1. السياق (Setting): يتعلَّق بسياق صنع السياسات بما في ذلك العوامل المؤسساتية  والاجتماعية والاقتصادية.

  2. الشخصيات (Characters): تضم على الأقل شخصية واحدة، كشخصية البطل أو شخصية الشرير.

  3. الحبكة (Plot): تتضمَّن المنحنياتُ السردية (story arcs) الشائعة عددًا من العناصر: الأبطال الذين يشرعون في رحلة ما أو الأبطال الذين يواجهون المصاعب ويتغلَّبون عليها. وتتعلَّق هذه العناصر في الأغلب بأشرار يُسبِّبون المتاعب وبضحايا يعانون الصعاب.

  4. العبرة الأخلاقية (Moral): تشير إلى الدرس المستفاد من القصة وتصف سبب المشكلة السياساتية وحلَّها.

تشير الدراسات التطبيقية للإطار السردي للسياسات (NPF) إلى أنَّ السرد يُؤتي أُكُلَه عندما يقوم الساردون بما يلي:

  • استغلال المعتقدات الأساسية للجمهور للتأثير في معتقداتهم الأخرى القابلة للتغيبر. 

  • ربط قصتهم ببطل بدلًا من ربطها بالشرير.

  • مساعدة الجمهور على تصوُّر ملموس للمشكلة بدلًا من التصوُّرات المجرَّدة.

  • ربط القصص الفردية بـ"السرديات الكبرى" (Grand Narrative) المفهومة جيدًا لدى الجمهور.

كما يتنافس الساردون مع الآخرين في استخدام القصص من أجل: "جعل قضية ما قضيةً عامَّةً" (Socialise) مقابل "خصخصتها" (Privatise)، أو إضفاء طابع رومانسي أخلاقي على الهدف من وراء تحالفاتهم مقابل شيطنة أهداف تحالفات الآخرين، أو تشجيع الحكومات على تقديم المكافآت للمجموعات المستهدَفة بوصفهم "أبطالًا" مقابل فرض عقوبات على "الأشرار".

ومع ذلك، يعتمد نجاح الساردين أيضًا على الجمهور والسياق؛ فقد لا تكون القصص مؤثرة إلا خلال فترة مواتية يكون الجمهور فيها مُتقبِّلًا للقصة، أو عندما تتوافق القصة مع اعتقادات الجمهور (فكِّرْ ما الذي يمكن أن يحدث عند إرسال نفس الرسالة إلى جمهور لديه اعتقادات يسارية وإلى آخر لديه اعتقادات يمينية). وفي الواقع، تشير دراسات الإطار السردي للسياسات (NPF) إلى أنَّ القصص التي كان لها التأثير الأكبر على المدى القصير كانت تلك التى وُجِّهت إلى جماهير لديها استعداد مسبق لقبولها.

قد يبدو أنَّ تأثير القصص غير مهم عندما تخبر الناس بما يؤمنون به بالفعل؛ لكنَّها يمكن أن تُحدِث الفرق الكبير بين التفكير والتنفيذ. فعلى سبيل المثال، يمكن للقصص أن تُشجِّع الناس على الخروج للتصويت أو على تغيير أولوياتهم عبر التركيز على قضية واحدة على حساب القضايا الأخرى. ورغم أنَّه من الصعب إقناع الناس بتغيير آرائهم، ففي إمكاننا تحفيزهم على التحرُّك من خلال توجيه تركيزهم إلى اعتقاد معين لديهم بدلًا من اعتقادات أخرى.

قراءات للاستزادة:

كما هو مُوضَّح، لا يحتوى الإطار السردي للسياسات (NPF) على قضايا كثيرة صعبة الفهم؛ فالناس يسردون القصص لأنفسهم وللآخرين، والقصص المقنعة منها هي التي يكون لها أثر ملحوظ في صنع السياسات. ومع ذلك، يجب ملاحظة الجدل الواسع حول تداعيات النهج "الوضعي" (Positivist) لـ"الإطار السردي للسياسات" (NPF) في مجال  يُعرَف غالبًا بأنَّه مجال "ما بعد الوضعي" (Post-positivist). ويُعَدُّ هذا الجدل -كما هو الحال هنا في مجلة  دراسات السياسات النقدية على سبيل المثال- وسيلةً رائعة لاستكشاف بعض الفروقات المنهجية العميقة حول: (أ) طبيعة العالم الذي نحيا به، و(ب) كيف يمكننا معرفة هذا العالم، و(ج) الأساليب المنهجية التي يجب استخدامها لتحقيق ذلك.

بواسطة مروة جراد

مروة جراد هي باحثة ومترجمة  تمتلك خبرة  في مجالات الترجمة واللغويات والمعجمية العربية.

حصلت مروة على:

  • بكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة باجي مختار - عنابة.
  • ماستر في الترجمة (عربي-انجليزي-عربي) من جامعة باجي مختار - عنابة.
  • ماستر في اللسانيات والمعجمية العربية من معهد الدوحة للدراسات العليا.

    عملت جراد على ترجمة العديد من النصوص المتنوعة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية والعكس.

0 تعليقات

نشر تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني